البيان الختامي
للدورة العادية الثالثة والعشرين
للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث
المنعقدة بمدينة سراييفو / البوسنة والهرسك
في الفترة
16 – 19 شعبان 1434هـ
الموافق 25-28 حزيران (يونيو) 2013 م
البيان الختامي
للدورة العادية الثالثة والعشرين
للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بمدينة سراييفو بدولة البوسنة والهرسك
في الفترة من: 16 – 19 شعبان 1434هـ الموافق 25-28 حزيران (يونيو) 2013 م
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أمّا بعد. فقد انعقدت بتيسير الله وتوفيقه الدّورة العادية الثالثة والعشرون للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في مدينة سراييفو عاصمة دولة البوسنة والهرسك، وذلك بدعوة من المشيخة الإسلامية في هذه البلاد الكريمة، وذلك في الفترة من السادس عشر إلى التاسع عشر من شهر شعبان من سنة 1434هـ، الموافق للخامس والعشرين إلى الثامن والعشرين من شهر حزيران (يونيو) سنة 2013م، برئاسة سماحة الشيخ الدكتور العلاّمة يوسف القرضاوي رئيس المجلس وبحضور أغلبية أعضائه وعدد من الضيوف والمراقبين.
وقد جرى افتتاح أعمال هذه الدورة في مبنى مكتبة الغازي خسرو، وذلك بحضور عضو مجلس الرئاسة لجمهورية البوسنة والهرسك والرئيس الحالي للبلاد الدكتور باقر علي عزت بيجوفيتش، ورئيس المشيخة مفتي البوسنة فضيلة الشيخ حسين كافازوفيتش مع عدد من أعضاء المشيخة في البوسنة، كما حضر عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي في دولة البوسنة والهرسك، وبحفل كبير تضمن برنامجاً ترحيبياً بالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، قدم فيه الأستاذ الدكتور علي القره داغي نائب رئيس المجلس كلمة عرف فيها بالمجلس وأهدافه، حيث بين أن من أهم مقاصده أن يكون مرجعاً لمسلمي أوروبا وأن يقدم الحلول للمشكلات التي تواجههم، تلا ذلك كلمة ترحيبية من فخامة رئيس الجمهورية أشاد فيها بدور المجلس ورئيسه في خدمة المسلمين في أوروبا والنهوض بهم، كما رحب بعقد
هذه الدورة في بلده متمنياً أن يتكرر ذلك في المستقبل القريب، تلتها كلمة لسماحة الإمام العلامة رئيس المجلس الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، استفاض فيها في بيان دور المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في البلاد الأوروبية، وأهميته للوجود الإسلامي في الغرب، وأنه مجمع علمي مكمل لدور المجامع الفقهية في العالم الإسلامي، كما تعرض لتوضيح منهجية هذا المجلس في إصدار قراراته وفتاويه في سياق المنهج الوسطي للإسلام، والقائم على اعتبار تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأن هذا المجلس جرى على الاعتناء بالاستدلال الشرعي المؤصل لما يصدر عنه، مدعماً بالبحوث التأصيلية والتفصيلية، التي تراعي منهج الدقة في البحث في سياق الأدلة ومذاهب العلماء منذ عهد الصحابة وما تلاه حتى يومنا هذا، مع الترجيح لما يقوى دليله فيما يختلف فيه بين العلماء، ويحقق مصالح الوجود الإسلامي في الغرب في إطار المقاصد الشرعية. كما تحدث سماحته عن مكانة دولة البوسنة والهرسك في نفوس المسلمين بعامة، وأبان عن جانب من مآثر هذه البلاد وأهلها ومزاياهم، وحرصهم على الحفاظ على هويتهم الإسلامية، وشكر رئيس الدولة على حضوره، كما شكر للمشيخة الإسلامية دعوتهم للمجلس لينعقد على أرضهم للمرة الثالثة منذ إنشائه.
ثم كلمة ترحيبية من سماحة رئيس المشيخة ذكر فيه دور المشيخة في خدمة مسلمي البوسنة والهرسك والحفاظ على هويتهم الإسلامية، كما أبدى استعداده للتعاون التام بين المشيخة والمجلس.
ثم ختمت هذه الجلسة بالدعاء من قبل فضيلة الدكتور مصطفى سيريتش.
وَمن ثَم توالت أعمال المجلس لهذه الدورة، حيث كان موضوعها الأساس (أحكام الأطعمة والذبائح والأشربة وما يخص مسلمي أوروبا في ذلك)، عُرض فيها اثنا عشر بحثاً في هذا الموضوع، بالإضافة إلى ثلاثة بحوث في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر.
وتخللت العروضَ مناقشاتٌ وتعقيبات واسعة.
من بعدُ تتابعت أعمال هذه الدورة، لتتناول بعض ما ورد المجلس من استفتاءات، وصدرت عنه الفتاوى بخصوصها.
وبناء على ما جرى استعراضه ومناقشته في هذه الدورة، فإن المجلس يصدر ما يلي:
أولاً: القرارات
قرار 1/23
بشأن الذبائح وطعام أهل الكتاب
بعد اطلاع المجلس على البحوث المقدمة والدراسات الميدانية في موضوع الذبائح وطعام أهل الكتاب، وبعد المناقشات المستفيضة من قبل الفقهاء والخبراء، قرر المجلس ما يلي:
الأمر الأول: تأكيد ما انتهى إليه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي “قرار رقم 95 (3/10)” في النقاط الآتية:
أولاً: التذكية الشرعية تتم بإحدى الطرق التالية:
1. الذبح، ويتحقق بقطع الحلقوم والمريء والودجين. وهي الطريقة المفضلة شرعاً في تذكية الغنم والبقر والطيور ونحوها، وتجوز في غيرها.
2. النحر، ويتحقق بالطعن في اللَّبَّة، وهي الوهدة (الحفرة) التي في أسفل العنق، وهي الطريقة المفضلة شرعاً في تذكية الإبل وأمثالها، وتجوز في البقر.
3. العقر، ويتحقق بجرح الحيوان غير المقدور عليه في أي جزء من بدنه، سواء الوحشي المباح صيده، أو المتوحش م الحيوانات المستأنسة. فإن أدركه الصائد حياً وجب عليه ذبحه أو نحره.
1. أن يكون المذكي بالغاً أو مميزاً، مسلماً أو كتابياً (يهودياً أو نصرانياً)، فلا تؤكل ذبائح الوثنيين، واللادينيين، والملحدين، والمجوس، والمرتدين، وسائر الكفار من غير الكتابيين.
2. أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتَفري بحدها، سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم، ما عدا السن والظفر. فلا تحل المنخنقة بفعلها أو بفعل غيرها، ولا الموقوذة: وهي التي أزهقت روحها بضربها بمثل (حجر أو هراوة أو نحوهما)، ولا المتردية: وهي التي تموت بسقوطها من مكان عال، أو بوقوعها في حفرة، ولا النطيحة: وهي التي تموت بالنطح، ولا
ما أكل السبع: وهو ما افترسه شيء من السباع أو الطيور الجارحة غير المعلمة المرسلة على الصيد. على أنه إذا أدرك شيء مما سبق حياً حياة مستقرة فذكي جاز أكله.
3. أن يذكر المذكي اسم الله تعالى عند التذكية. ولا يكتفى باستعمال آلة تسجيل لذكر التسمية، إلا أن من ترك التسمية ناسياً فذبيحته حلال.
ثالثاً: للتذكية آداب نبهت إليها الشـريعة الإسلامية للرفق والرحمة بالحيوان قبل ذبحه، وفي أثناء ذبحه، وبعد ذبحه: فلا تحد آلة الذبح أمام الحيوان المراد ذبحه، ولا يذبح حيوان بمشهد حيوان آخر، ولا يذكى بآلة غير حادة، ولا تعذب الذبيحة، ولا يقطع أي جزء من أجزائها، ولا تسلخ ولا تغطس في الماء الحار ولا ينتف الريش إلا بعد التأكد من زهوق الروح.
رابعاً: ينبغي أن يكون الحيوان المراد تذكيته خالياً من الأمراض المعدية، ومما يغير اللحم تغييراً يضر بآكله، ويتأكد هذا المطلب فيما يطرح في الأسواق، أو يستورد.
خامساً: الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان؛ لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان وإحساناً لذبحته وتقليلاً من معاناته، ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل. (انتهى قرار المجمع).
الأمر الثاني: بما أن الأصل في الذبح الشرعي أن يكون بلا تدويخ ولا صعق، إلا أنه في حال صعوبة تحقيق ذلك فإنه يشترط ألا يؤدي التدويخ أو الصعق إلى موت الحيوان قبل تذكيته.
طعام أهل الكتاب:
إن طعام أهل الكتاب حلال بنص القرآن الكريم، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]. والمقصود بأهل الكتاب اليهود والنصارى. ولا يؤثر في هذا الحكم كونهم على عقائد مخالفة لأصل التوحيد ونحوه، مثل عقيدة التثليث، وتأليه المسيح عليه السلام؛ لأن الحكم السابق في سورة المائدة نزل بعد ذكر الله تعالى عنهم كل ذلك وأكثر.
ولكن الشرط الأساسي في إباحة طعام أهل الكتاب أن يكون معتداً به من طعامهم الذي يأكله أحبارهم ورهبانهم، وألا يكون ميتة، ولا خنزيراً؛ إذ نص على حرمتهما مطلقاً القرآن الكريم.
وفي هذا يؤكد المجلس توصيته السابقة في دورته الثالثة (قرار 2) في أن يتخذ المسلمون في ديار الغرب مذابح خاصة بهم حتى ترتاح ضمائرهم ويحافظوا على شخصيتهم الدينية والحضارية، ويدعو المجلس الدول الغربية إلى الاعتراف بالخصوصيات الدينية للمسلمين، ومنها تمكينهم من الذبح حسب الشريعة الإسلامية، أسوة بغيرهم من الجماعات الدينية الأخرى كاليهود. كما يدعو الدول الإسلامية إلى استيراد اللحوم الحلال التي تخضع لمراقبة شرعية من قبل المراكز الإسلامية الموثوق بها في ديار الغرب.
قرار 2/23
بشأن هيئات الرقابة الشرعية على الأطعمة والذبائح
بعد اطلاع المجلس على البحوث المقدمة والدراسات الميدانية في موضوع هيئات الرقابة الشرعية على الأطعمة والذبائح، وبعد المناقشات المستفيضة من قبل الفقهاء والخبراء، قرر المجلس ما يلي:
1. يرى المجلس ضرورة وجود هيئات شرعية يتوافر فيها الإخلاص والاختصاص، وأن يقوموا بواجبهم بمنتهى الإتقان والبيان والشفافية، ووجوب الالتزام الكامل بمصداقية الشهادات التي تصدرها هذه الهيئات؛ لأنها شهادات تترتب عليها الحقوق والآثار، وبالتالي فأصحابها يتحملون المسئولية أمام الله تعالى ثم أمام من يعتمد عليها.
2. يوصي المجلس هذه الهيئات بتقوى الله، وتشكيل هيئة عليا لهيئات الرقابة للتنسيق والمتابعة والإشراف، ولا مانع لدى المجلس أن يكون له دور فيها، وأن تأخذ هذه الهيئات بالمعايير الشرعية للذبح الحلال، كما أن عليها أن تستفيد من المعايير الدولية للرقابة، والمعايير التي أصدرها مجلس مسلمي بريطانيا الذي يضم الشروط الشرعية والمهنية والتقنية ونحوها.
وقد شكل المجلس لجنة لإعداد مشروع “ميثاق الطعام الحلال” يتضمن المعايير الشرعية والفنية والتقنية ليكون مرجعاً لهذه الهيئات بإذن الله تعالى.
قرار 3/23
بشأن الاستحالة والاستهلاك
بعد اطلاع المجلس على البحوث المقدمة والدراسات الميدانية في موضوع الاستحالة والاستهلاك، وبعد المناقشات المستفيضة من قبل الفقهاء والخبراء، قرر المجلس ما يلي:
أولاً: حكم الاستحالة والاستهلاك:
بما أن الاستحالة هي تحول مادة إلى مادة أخرى بتغير حقيقتها وأوصافها، فإنها مؤثرة شرعاً في الحكم حيث يتغير حسب تغير المادة وتحولها، كالعصير المتخذ من العنب حلال، فإذا تحول إلى خمر يصبح حراماً. ثم إذا تحول إلى خل يصبح حلالاً، سواء تم التحلل بذاته، وهو المتفق عليه، أو تم بفعل الإنسان على الراجح القوي المسنود بالأدلة المعتبرة.
ثانياً: بما أن الاستهلاك لدى الفقهاء هو زوال صفات مادة بسبب وقوعها في كمية كبيرة من الماء أو المائعات، حتى تصبح الأولى مستهلكة في الثانية، فإنه مؤثر في الحكم الشرعي، كالماء النجس يزاد عليه الماء الكثير الطاهر فيطهر، إذ تزول صفاته من الطعم واللون والرائحة.
ومن أمثلة الاستحالة والاستهلاك في الأطعمة والأدوية المركبة المشتملة على المحرمات التي تحولت إلى مادة أخرى، ما يأتي:
أ – إذا تغيرت حقيقة الدم المستعمل في بعض الأطعمة والأدوية واستحال إلى مادة أخرى تصبح حلالاً طاهراً، أما إذا لم تتحقق الاستحالة وبقيت حقيقة الدم وأوصافه فتكون محرمة، وفي هذا النطاق يؤكد المجلس ما انتهت إليه الندوة الفقهية الطبية التاسعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالدار البيضاء (يونيو 1997) حيث نصت على أن “المركبات الكيمائية المستخرجة من أصول نجسة أو محرمة، كالدم المسفوح أو مياه المجاري، والتي لم يتحقق فيها الاستحالة بالمصطلح الشرعي؛ لا يجوز استخدامها في الغذاء والدواء، مثل الأغذية التي يضاف إليها الدم المسفوح كالنقانق المحشوة بالدم، والعصائد المدماة (البودينج الأسود) والهامبرغر المدمى، وأغذية الأطفال المحتوية على الدم، وعجائن الدم، والحساء بالدم ونحوها، وتعتبر طعاماً نجساً محرم الأكل؛ لاحتوائها على الدم المسفوح الذي لم تتحقق فيه الاستحالة”.
ب – بلازما الدم التي تستعمل في الفطائر والحساء، والنقانق وأنواع المعجنات، كما تمزج باللبن في تصنيع بعض منتجاته، وفي صناعة بعض الأدوية وأغذية الأطفال، فهذه البلازما ليست دماً لا لوناً ولا حقيقة، ولذلك لا تعتبر حراماً. وفي هذا المجال نؤكد الفتوى الصادرة من الندوة الفقهية الطبية التاسعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالدار البيضاء (يونيو 1997) نصت على أن “بلازما الدم، التي تعتبر بديلاً رخيصاً لزلال البيض، وقد تستخدم في الفطائر والحساء والعصائد (بودينج) والخبز، ومشتقات الألبان، وأدوية الأطفال وأغذيتهم، والتي قد تضاف إلى الدقيق، فقد رأت الندوة أنها مادة مباينة للدم في الاسم والخصائص والصفات، فليس لها حكم الدم، وإن رأى بعض الحاضرين خلاف ذلك”.
ج – أما إذا وصف لشخص دواء فيه دم أو مشتقاته، فإن وَجَدَ غيره من الأدوية البديلة بنفس المستوى فلا يجوز له استعماله وتناوله، أما إذا لم يجد ذلك فيحل له شرب ذلك الدواء؛ لأن الحاجة للتداوي بالمحرمات، ما عدا الخمر التي ورد بها نص، تنزل منزلة الضرورة عند الحنفية والشافعية على الصحيح في المذهب وأبي ثور وابن حزم.
ثالثاً: حكم الجبن الناتج عن استعمال أنفحة الحيوان غير المذكى:
إن الجبن المصنوع باستعمال أنفحة الحيوان غير المذكى محل خلاف لدى الفقهاء، حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نجسة، وبالتالي فلا يجوز أكل الجبن المصنوع بها، إلا عند من يقول منهم بتحقق الاستحالة، وذهب جماعة منهم أبو حنيفة وداود الظاهري وأحمد في رواية إلى أنه طاهر يؤكل، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الصحابة أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن، وكان يعمل بالأنفحة المأخوذة من ذبائح المجوس المحرمة في شريعتنا أو من الميتة، وهذا الرأي هو الذي اختاره المجلس؛ تيسيراً على المسلمين.
رابعاً: وفي موضوع الجيلاتين المصنوع من جلود الخنزير والميتة ومن عظامهما، أُجِّل البت فيه لدورة لاحقة لمزيد من البحث.