المؤتمر الأول المنعقد في ألمانیا فیما یخص الذبح الحلالالمؤتمر الأولالذي یخص الذبح الحلال في ألمانیا مع مشاركة كل مؤسسات شوری المسلمین في المقاطعات الألمانیّة والعلماء و المتخصصین في أمور الذبح الذي إنعقد في تاریخ 17 سپتامبر 2011 في مدینة برمن Bremen)) في ألمانیا
بسم الله الرحمن الرحیم
لقد بدأ المؤتمر بتلاوة الآیات التي تخصّ ذبح الحیوانات في القرآن الكریم وفقًا للشریعة الإسلامیّة و من بعد ذلك بدأت الأخت « زهرا محمد زاده » من ـ مجلس مقاطعة اللواء ـ بالكلام عن سلامة الحیوانات التي لحمها حلال. و أشارت إلی أهمّیّة النظافة في الإسلام و أنَّ المسلمین یجوز لهم أكل اللحم الحلال فقط . و تطرّقت إلی الراغبین في محض كسب المنافع التجاریّة و المخادعات التي یقوم بها البعض من أصحاب الشركات الذین یطبعون ختم الذبح الحلال علی المعلبات و المحشیّات من منتجاتهم التي لا تطابق ذلك و یَعرِضونَها للناس في الأسواق.
و هذابیان إمام مسجد الإمام علي (ع) و مدیر المركزالإسلامي في هامبورغ آیة الله الدكتور رضا الرمضاني فیما یخص الأحكام الشرعیّة للذبح و بدأ كلامه كما یلي:
الحمد لله الذي هدانا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ثم الصلاة والسلام والتحیة والإكرام علی سیّدنا و نبیّنا و شفیع ذنوبنا و طبیب نفوسنا المصطفی الأمجد أبی القاسم مُحمّد (ص) و علی أهل بیته الطیّبن الطاهرین.
قبل أن نتكلم عن أحكام الذبح في الإسلام هنالك بعض النقاط التي یجب أن نذكرها في البدایة.
و النقطة الأوّلی هي أن لا یوجد أيِّ عملٍ یمكن أن یكون القیام به في إختیار الإنسان ما لم یكن في مجال أحد الأحكام التكلیفیّة الخمسة أي الوجوب ، الحرمة ، الإستحباب ، الكراهة أو الإباحة. و حتی أحكام الأكل و الشرب لیست في إستثناء عنها أي أنَّ كلّ ما هو یخصّ الأكل أو الشرب ، إمّا أن یكون واجبًا أو مستحبًّا أو محرّمًا أو مكروهًا أو أنـّه مباح.
و النقطة الثانیة : هي أنَّ كلّ ما هو واجبٌ في الإسلام یكون في صالح الإنسان لدرجة ، بحیث أن لو تُرك ما هو واجبٌ لكانت النتیجة خسران ما هو خیرٌ له. كما و أنَّ في كلّ حرامٍ أضرار لا یمكن دفعها ، أي لو أنَّ أحدًا أكل أو شرب ما هو محرّمٌ فسوف یصیبه الضرر الشدید الذي بِسَبَبه یكون الشرع قد حرّمه.
كما و أنَّ في كلِّ مستحبٍّ و مكروه مَصلَحَة و مَفسَدة و لكن لا إلزام للعمل بها أو تركها و لذلك یمكن ترك ما هو مستحبّ أو العمل بما هو مكروه و لكن لا ننسی أنّ العمل أو ترك كلٍّ منها لها تبعاتها الوضعیّة أو الطبیعیّة و لذلك یُستحسن للإنسان أن یراعي المستحبّات و المكاره و ذلك للرشد الروحيّ و المعنويّ و حتی للسلامة الجسمیّة.
و النقطة الثالثة هي أنَّ الأحكام الإلهیّة هي أحكام تعبُّدیّة و لكن معرفة الحِكمة في كلٍّ منها تُزید الرغبة في مراعاتها و العمل بها ، و لذلك نری في الكثیر من المصادر الكلام حول الحِكـَم و أسباب الأحكام الإلهیّة مثل ما نراه في كتاب « علل الشرایع للشیخ الصدوق » الذي هو من كبار العلماء في القرن الرابع الهجريّ القمريّ و أكثر ما یدور الكلام في هذا الكتاب هو الحِكـَم في الأحكام الشرعیّة ممّا هو في بیان عِلـَلِها.
و من جهة أخری نری أنَّ معرفة الحِكـَم و الفلسفة في الأحكام الشرعیّة أمرٌ جیِّد و جدیر بالإهتمام و لكن یجب أن نعلم أنَّ الأحكام الإلهیّة هي أحكام تعبّدیّة و لا یُشترط في أدائها معرفة فلسفتها. و لذلك فلا یمكن أن نقول بأنَّ الذي لا یَعرِف أيٍّ من الحِكم و الفلسفات الكثیرة للصیام و الصلاة ، لا یجب أن یؤدّیها ، بل إنَّ الإنسان الذي تتوفّر فیه الشروط العامّة للتكلیف مثل الوصول إلی سنّ البلوغ و عنده العقل و القدرة و العلم ، یجب علیه أن یراعي الواجبات و المحرّمات الإلهیّة و یعمل بها كتكلیف و واجب شرعيّ.
و النقطة الرابعة : هي أنَّ الأكل و الشرب لها أهمّیّاتها الخاصّة بها في الإسلام و لذلك نری في القرآن الكریم الآیة الشریفة التي نصُّها هو « فلیَنظرِ الإنسان إلی طعامِه » فیجب أن یكون ما نأكله و نشربه نظیفًا نزیهًا و حلالاً طیِّبًا و لذلك نری في التعالیم الإسلامیّة التوجیه إلی أنَّ علی كلّ مسلم أن یتّبع تلك التعالیم التربویّة التعبّدیّة الإنسانیّة فیما یخص الأمور الصحیّة في الأكل و الشرب لحفظ سلامة جسمه. و كذلك الأمر فیما یخصّ الأكل والشرب و السلوك و الأخلاق الإسلامیّة ، فعلی كلّ مسلم أو مسلمة مراعاة الأصول في الأكل و الشرب بشدّة لكي لا ینال لقمة الحرام أو ما فیه الشبهة و لكي لا یتعرّض إلی الحرمان من الرشد الأخلاقيّ.
و النقطة الخامسة : من الأمور التي علیها التأكید في الإسلام هي رعایة حقوق الحیوانات. إذ أنَّ الحیوانات ، بالرغم من أنـَّها تكون قد خُلِقَت لیستفید منها الإنسان و لتكون في خدمته ، و لكن لها أیضًا حقوقها و سهمیّتها في النظام الوجوديّ لدرجة بحیث أنَّ البعض منها یمكن أن تنال الكثیر من الكمالات بواسطة الإنسان.
إنَّ الحیوانات بدورها تُسبِّح أیضًا بحمد الله تبارك و تعالی و تتمتّع بالرزق منه جلَّ و علا و لذلك یجب حفظها و علی الإنسان أن لا یذبحها من دون سبب أو غرض مُجاز و إذا ذبحها إنسانٌ من دون غرض مجاز، فإنَّه سوف یتعرّض للمؤاخذة الإلهیّة و لذلك نری أنَّ المداراة و حُسن معاملة الحیوانات من الواجبات التي علیها التأكید في الإسلام و یُنهی عن إیذائها و سوء التصرّف معها. و جاء في بعض الروایات أنَّ حُسن المُعاملة مع الحیوانات تجلب الرحمة الإلهیّة للإنسان ، كما و أنَّ إیذائها یستوجب الغضب الإلهيّ و العذاب.
فیجب أن لا ننسی أنّ الحیوانات تسود في جمعها الأنظمة الإجتماعیّة المُدهشة التي هي من آیات الخلاّق الحكیم تبارك و تعالی . و كم منها لها جمالها المُعجِب المُدهِش للأذهان في خلقتها مثل الطاووس. و لذلك یجب أن نعترف بمكانتها في الوجود و علینا أن نحمي حقوقها . إنَّ في القرآن الكریم ستّة سور سُمّیَّت بإسم الحیوانات و فیها العبرة لكلّ إنسان لیعلم أنَّ إیذاء الحیوانات لا یجوز من دون أيِّ مبرِّر.
و النقطة السادسة : هي أن لا شكَّ في أنـَّه یحقّ لكلّ مسلم أن یأكل و یشرب ما تأذن به الشریعة الإسلامیّة و الأحكام الإلهیّة و إنـَّنا نری في القرآن الكریم الآیة التي تخص الأكل والشرب و نصُّها « كُلوُ مِمّا في الأرضِ حَلالاً طّیِّباً » و نستنتج من هذه الآیة أنَّ ما لم یكون محرّمًا یجوز أكله أو شربه و لذلك یجب أن ننتبه إلی ما هو حرامٌ لكي نتجنّبه. و من جملة الآیات التي تخصّ هذا الموضوع هي الآیة 173 من سورة البقرة في قوله تعالی: « إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ » [1]
و النقطة السادبعة : هي أنَّ القاعدة الأساسیّة في الأكل و الشرب هي جواز التمتّع بها ما لم تكن هنالك دلائل علی ممنوعیّتها أو أنـَّها تكون محرّمة و یری العلماء و الفقهاء أربعة أدلّة لهذه القاعدة و هي القرآن الكریم و السنّة النبویّة و الإجماع و العقل. و ما لا شكّ فیه هو أنَّ هذه القاعدة تشمل كلّ شئ و منها الحیوانات التي لحمُها حلال و الحیوانات التي لحمها حرام لا تتواجد في هذه النصوص. كما و أنَّ أكل لحوم الحیوانات التي لحمها حلال أیضًا لها شروط یجب إن تُنفَّذ مثل كونها مُلكًا للذي یذبحها أي أنـَّها لا تكون مغصوبة كما و یجب أن یكون إجراء ذبحها وفقًا للشریعة لكي یكون أكلُها مُجاز.
إنَّ إثبات الأصول المذكورة للذبح یستوجب مراجعة الكتب المختصّة بها و نشیر هنا بإختصار إلی البعض منها. إنـَّنا نری في القرآن الكریم قوله تعالی : « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » [2] و نستنتج هنا من تعبیر « مَّا فِي الأَرْضِ » إباحة الإستفادة من كلّ شئ علی وجه الأرض ما لم یكن هنالك مانعٌ و دلیلٌ علی كونها حرامًا ممنوعًا ، فیكون حكمها خارج نطاق هذه الآیة. [3]
و كذلك الأمر فیما یخص نزول ما جاء في قوله تعالی : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ » [4] یروی أنَّ بعض الفرق من المشركین مثل خزاعة و بني عامر و الآخرین من هذا القبیل كانوا قد حرّموا بعض الحبوب و اللحوم علی أنفسهم من دون أيّ دلیلٍ و برهان ، و نسبوا التحریم إلی الله تبارك و تعالی ـ و العیاذ بالله ـ و الآیة المذكورة هذه نزلت في خصوص أمثال هؤلاء. [5]
و يجب أن نقول فيما يخصّ الأية « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ » [6]فإنّها تدلّ علی أنَّ أكل كلّ الطعام حلال إلّا ما كان هنالك من الدلائل ما تدلّ علی تحریمه.
و علاوة علی ذلك نری في القرآن الكریم و الكثیر من الأحادیث المعتبرة تثبیت هذه القاعدة الشرعیّة. و من هذه الأحادیث الصحیحة هي ما رُوي عنمحمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (ع) و ….. و نص الكلام هو: « إنّما الحرام ما حرَّم الله فی القرآن » . [7] و كذلك ما روي عن عبد الله بن سلیمان أنَّ الإمام الصادق (ع) قال : « كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك بانفيه الميتة » . [8] كما و جاء كتاب مرسلة الصدوق أنَّ الإمام الصادق (ع) قال : « كل شی مطلق حتی یرد فیه النهی » [9]. و من الأدلّة الأخری لإثبات هذه القاعدة هي الإجماع في سیرة كلّ العقلاء علی أساس أنَّ كلّ ما یأكله و یشربه الإنسان یجب أن یكون حلالاً .
أنَّ الدلیل العقليّ علی أصول الحلال واضحٌ ، إذ أنَّ عقل الإنسان یستقبح المعاقبة من دون بیان السبب و الإنسان یعلم بأنَّ الله تبارك و تعالی سخّر لنا الكرة الأرضیّة التي نعیش علی سطحها و جَعَلَنا نستفیض بألطافه بإرسال الأنبیاء لیهدوننا إلی سبیل الرشاد. و لذلك فلو أنَّ أيِّ موجودٍ من الموجودات أو أيِّ تصرّفٍ من التصرُّفات حرامٌ فإنَّ الشریعة المقدّسة تبیِّن ذلك للناس لكی لا یخطأ العباد ویرتكبوا الأخطاء و یقعوا في المهالك. و لذلك إن كان هنالك طعامٌ لا نجد بلاغٌ في الشریعة الإلهیّة بتحریمه ، فأكله حلالٌ جائز لنا. و لكن ما یخصّ أكل اللحوم الحلال ، فإنَّ ذلك یُشترط فیه أن یكون قد تمَّ ذبحها علی الطریقة الشرعیّة المقدّسة.
و النقطة الثامنة : إنَّ في جمیع الأحكام الإسلامیّة مصالح واجبة أو مستحبّة و المفاسد تكون محرّمة ممنوعة أو أنـَّها مكروهة و ما لا شكّ فیه هو أنَّ ما یخصّ أصول ذبح الحیوانات یكون مذكورًا في المصادر بكلّ التفاصیل. و منها هو أنَّ الحیوان الذي یُراد ذبحه یجب أن یتعرّض لأقلِّ ما یمكن من الأذیّة فنری أنـَّه مستحبٌّ أن تكون السكینة حادّة علی أعلی درجة (أ) و أن یسرع في الذبح و أن یسقي الحیوان قبل أن یذبحه و أن یقف الذابح بإتجاه القبلة و أن یطرح الذبیحة أیضًا حد الإمكان بإتجاه القبلة و أن لا تكون أمام الحیوانات الأخری و إن كانت الذبیحة خروف فیجب أن یربط القدمین الأمامیّین و إحدی القدمین الخلفیّین و أن یترك القدم الأخری لحالها. و حین تكون الذبیحة بقرة ، فالمستحسن أن یربط كلّ الأرجل و إن كانت الذبیحة بعیر فالأحسن أن یربط الأقدام الأمامیّة من الأسفل إلی الركبتین أو حتی إلی فوق الركبتین و أن تُترك الأرجل الخلفیّة حرّة لحالها و أمّا ما یخصّ ذبح الدجاج ، فالمستحبّ أن تترك الدجاجة لكي تضرب بأرجلها و أجنحتها لكي تتحرر أعصابها من التشنُّج.
و من بعد ذكر كلّ هذه الحقائق ، یجب أن نعلم بأنَّ قتل الحیوانات لا یجوز إلاّ تحت شروط معیّنة و منها :
أوّلاً : لو سبّب الحیوان الخطر لحیاة الإنسان و ذلك فقط حین یكون التهدید خطیرًا وبكلّ جدّ ، كما و یجب أن نعلم بأنَّ هنالك الوسائل و السبل الأخری للنجاة من هذه الأخطار و الأفضل هو الإستفادة من تلك الوسائل حدّ الإمكان.
ثانیًا : حین یكون الحیوان مریضاً و بقائه علی الحیاة یسبِّب أنتشار المرض.
ثالثًا : حین یكون الإنسان في حاجة إلی اللحم . و ما لاشكّ فیه هو أنَّ الإنسان یستطیع أن یستفید من لحم الحیوان حین لم یكن الحیوان قد مات میتة طبیعیّة ، بل یجب مراعاة الأحكام التي سوف نذكرها في ذبح الحیوانات و كون أكلها حلالاً حین یكون قد تمَّ ذبحها وفقًا للشریعة الإسلامیّة. كما و یجب أن ننتبه إلی أنَّ لحوم الحیوانات التي تأكل النجاسات حرامٌ حتّی و لو كان لحمها حلال ما لم یتمّ تزكیتها.
و بصورة عامّة لو أنـَّنا تمعنّنا في أحكام الذبح في الإسلام لرأینا أنَّ روحیّة التوحید موجودة في كلّ مراحل حیاة الإنسان المسلم كما نری ذلك مثلاً في وجوب توجیه الذبیحة نحو القبلة و أن تُذبح بإسمه تعالی و إن لم یتم مراعاة هذه الأصول ، فیكون الحیوان كالمیتة و أكلها حرام. و لذلك فإنَّ علی الإنسان المسلم أن یُقوّي روحیته للتعبُّد بأكل ما هو حلالٌ من لحوم الحیوانات و الأغذیة الأخری لیقوّي نفسیّته و ثباته في التوحید و التوجُّه إلی الله تبارك و تعالی .
إنَّ ما لا شكَّ فیه هو أنَّ كلّ هذه الأمور یمكن أن تكون وسائل لتربیة الإنسان و تعلیمه في الكثیر من مجالات الحیاة و نأمل أن نتوجّه جمیعًا إلی ما في الإسلام من التعالیم المُنوِّرة للقلوب و التي تكمن فیها دروس الشرافة و الكرامة و التوحید و التي ترفع منزلة الإنسان و یجب أن نتوجّه إلیها و نهتمّ بها و نتعلّمها و نجعل كلّ تصرّفاتنا مبنیّة علی القوانین الإسلامیّة النورانیّة. و إنَّ ما لا شكَّ فیه هو أنَّ علی المسلمین أن یعملوا بتلك التعالیم السامیة المنوِرة للقلوب علی أیّة بقعة من الأرض ما كانوا یعیشون .
هنالك شروطٌ للذبح في فقه الشیعة و الكثیر منها یتوافق مع الشروط التي في فقه أهل السنّة و نُشیر هنا بإختصار بعض النقاط التي ذكرها كبار الفقهاء من الشیعة في ما یخصّ الذبح و منها :
ما ذكره الفقهاء من أهل السنّة هي : أوّلاً إستقبال القبلة ، ثانیًا یجب أن تكون وسیلة الذبح حادّة جدًّا و من الحدید و ثالثًا قطع الشرایین الأربعة رابعًا التسمیة بسم الله تبارك وتعالی و هذا ما یراه جمع الفقهاء من أهل السنّة واجبًا و لكن الشافعي الذي هو إمام الشافعیین من أهل السنّة یری أنَّ التسمیة بسمه تعالی لیست واجبة ، بل إنـَّها مستحبّة و لذلك یری أنّ أكل ما لم یجري علیه ذكر إسم الله جلّ و علا في الذبح یجوز أكله و هو حلال.
و لكنّ التحقیقات التي قام بها العلماء من أهل السنّة هو أنَّ ذكر بسم الله واجب و لكن لو إن حصل أن نسی القصّاب ذلك فلا مانع لأكل لحوم تلك الذبیحة و لكن لو تعمّد القصّاب بعدم ذكر إسمه تعالی ، فإنَّ أكل لحوم تلك الذبیحة حرام . كما و یری أهل السنّة أن لو ذُكر علی الذبیحة غیر إسم الله جلّ و علا فلیس لحم تلك الذبیحة حلالٌ للمسلمین. كما و أنَّ قسمٌ من أهل السنّة مثل الحنبلیّین یرون أنَّ مجرّد ذكر إسمه عزّ و جلّ كافٍ و لذلك یرون أن لو ذكر أهل الكتاب بدأوا الذبح بإسم الله تبارك و تعالی یكون كافیًا و تكون الذبیحة حلالاً للمسلمین.
· وخلاصة البیان هنا هو أنـَّنا یجب أن نذكر بأنَّ ذبائح أهل السنّة تكون حلالاً وفق فقه الشیعة و یجوز أكلها.
· و أنـَّنا نری في فقه أهل السنّة أن لا یشترط في كون الذابح مسلمًا و لذلك لو أن ذبح القصاب المسیحيّ أو الیهوديّ بذكر بسم الله و عملوا وفقًا لما هو في كتبهم فیكون لحم تلك الذبائح حلالٌ للمسلمین .
و لكن هنالك ستّة شروط للذبح الحلال في فقه الشیعة و هي :
1. أن یكون الذابح مسلم.
2. أن یُلقی الحیوان في إتّجاه القبلة.
3. أن یُجری الذبح بسمه تعالی .
4. أن تقطع الشرایین الأربعة بِقَصّة واحدة.
5. أن تكون السكین من الحدید و حادّة جدًّا.
6. أن تتوافر شروط الذبح في الحیوان .
و في ما یخصّ الشرط الأول یجب أن نعلم أن لو كان الذابح غیر مسلم ، فإنَّ أكل تلك اللحوم حرامٌ حتّی و لو توفّرت كلّ الشروط الباقیة. إنَّ كون الذابح مسلم هو شرطٌ عند كلّ المراجع و الفقهاء [10] و إنَّ أكثر العلماء و المتحدّثین القُدماء كانوا یعتقدون ذلك مثل الشیخ الصدوق [11] و الشیخ المفید [12] و آخرین غیرهم ، و لكنّ هنالك من العلماء من عندهم آراء تختلف.[13]
و الشرط الآخر في الذبح ، هو ذكر إسمه تعالی علی الذبیحة ثمّ البدایة بالذبح ، حیث أنَّ الله تبارك و تعالی یقول في الآیه 115 من سورة النحل : « إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » و كذلك في الآیات 118 ، 119 و 121 من سورة الأنعام : « إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ َ* كُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ * وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ » و بناءًا علی أساس هذه الآیات نری أنّ فقهاء الشیعة الكبار یؤكِّدون الفتوی علی وجوب التسمیة و ذكر إسمه تعالی عند بدء الذبح . و هنالك من الفقهاء من یرون الإكتفاء بذكر «ألحمد لله ، أو سبحان الله ، أو لا إله إلاالله أو ألله أكبر » [14]
و أمّا ما یخصّ شرط إستقبال القبلة ، فإنَّ جمیع فقهاء الشیعة متفقون في الفتوی علی وجوب إستقبال القبلة حین إجراء الذبح و كذلك الأمر فی ما یخصّ قصّ العروق أو الشرایین الأربعة التي هي :
أوّلاً : قناة الحلقوم الذي هو مجری الهواء للتنفُّس
ثانیًا : المرئ الذي هو مجری الطعام من الفم إلی المعدة
ثالثًا : الشریانین الكبیرین لمجری الدم إلی الرأس و هما الذین یُسمّان « بالأوداج » و إنَّ قصّ هذه القنوات الأربعة یمكن أن یكون بِقَصَّة واحدة فقط من تحت الحنجرة .
وكما رأینا یجب أن یتمّ الذبح بالسكینة الحدیدیّة الحادّة و أن كانت هنالك سكینة مسنّنة حادةّ جدًّا ، فیمكن الإستفادة منها و علاوة علی ذلك یمكن الإستفادة من وسیلة حادّة أخری مثل قطعة من الزجاج أو الحجر الحاد الحافّة و لكن فقط عند الضرورة.
یجب أن نذكر هنا أنَّ بعض الحیوانات لا یجوز ذبحها أبدًا مثل الحیوانات الوحشیّة من قبیل الأسد و النمر و الضبع و أمثالها أو الحیوانات التي هي عین النجاسة مثل الكلب و الخنزیر و كلّ هذه الحیوانات و أمثالها حرامٌ أكل لحومها حتّی و لو تمّ ذبحها وفقًا للأصول المذكورة ، فلا یكون لحمها حلال و لا یصحّ ذبحها بإيِّ وجهة ما كانت الأوضاع . و لذلك یجب أن نكون علی خذرٍ إن رأینا بیان الحلال مطبوع علی المعلبات أو الأغلفة التي تُخزن فیها و لا یجوز أكل تلك اللحوم أبدًا. و هذا ما یؤكِّد علیه الفقهاء بكلّ جدّ .
و أمّا ما یخصّ السؤال عن هل أنَّ الإستفادة من الشوكة الكهربائیّة و أمثالها یجوز من الناحیة الشرعیّة أم لا ؟ فیجب أن نعلم أنَّ ذلك یكون جائزًا حین لا تنقطع ضربات القلب و یمكن أن یُذبح الحیوان من بعد ذلك و لكن لو مات الحیوان من بعد ضربة الشوكة أو إختنق ، فلا یجوز أكل لحمه حتّی لو ذُبِحَ من بعد الإختناق وفقًا لفتاوي الفقهاء. كما و أنَّ أكل الحیوان الذي مات من بعد الضربات أو التعذیب أو ما وقع من مكان عالي و مات أو ما نطحه حیوان آخر و مات من جرّاء ذلك أو ما مات من جرّاء حمَلات الحیوانات المفترسة ، فلا یجوز أكل أيًّ من هذه الحیوانات كما نری ذلك في الآیة 3 من سورة المائدة في قوله تعالی : « حُرِّمَتْعَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِاللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَد
و لا بأس أن نذكر هنا بعض الأصول التي تخصّ مجموعة البهائم التي لحمها حلال و المجموعة الأخری التي لحمها حرام فإنَّ الحیوانات علی نوعین منها 1ـ الأهلیّة و الأخری 2ـ الوحشیّة . و لیس لحم كلّ الحیوانات الأهلیّة حلال بل إنـَّها تنقسم إلی ثلاثة أقسام و هي :
المجموعة الأولی التي لحمها حلال مثل الخرفان و البقر و الجاموس و البعیر.
المجموعة الثانیة هي الحیوانات التي أكل لحمها مكروه مثل الحمار و الفرس و البغل و لذلك یری فقهاء الشیعة بالرغم من أنَّ لحم هذه الحیوانات لیس حرامٌ و لكنّ الإنسان ینزجر من أكلها و لذلك فالأفضل أن لا یأكلها. و هذه الكراهیّة أكثر درجة فیما یخصّ أكل لحم الحمیر. و لكن من وجهة النظر الفقهیّة في الإسلام لیست هذه الحیوانات محرّمٌ أكلها. و إن تمّ تزكیة جلود هذه الحیوانات ، فلا إشكال في إستعمالها و أمّا ما یخصّ لحومها فإن تمّ ذبحها علی الطریقة الشرعیّة الإسلامیّة ، فإنّ لحومها طاهرٌ و لكنّ أكلها مكروه و الأحوط تجنّب ذلك.
المجموعة الثالثة هي الحیوانات التي أكل لحومها حرامٌ بحت من قبیل الكلاب و القطط . و أمّا الحیوانات الوحشیّة فهي علی قسمین و قسمٌ منها حلالٌ أكل لحومها مثل الغزال و الماعز الجبلیّة و الماعز والغزال. و القسم الآخر هي الحیوانات التي لا یجوز أكلها و هي كلّ الحیوانات المفترسة مثل الذئاب و النمر و . . . . و الأسد و حتی الثعلب. و یجب أن نعلم أنَّ أكل لحم الأرانب حرامٌ أیضًا. كما وإنَّ أكل لحوم الحشرات محرّمٌ أیضًا.
و أمّا الطیور فإنَّ لحمها حلال سوی الخفاش و الطاووس و الغراب و الزاغ الذي هو نوعٌ من الغربان و الطیور الأخری التي لها مكالب مثل العقاب و غیرها من هذا القبیل. و إنَّ أكل لحم الهدهد و الأبابیل و الجراد حرام أیضًا. إن أكل بیوض الدجاج حلال و كذلك بیوض باقي الطیور التي لحمها حلال ، و أمّا بیوض الطیور التي لحمها حرام ، فهي محرّمة أیضًا.و بصورة عامّة فإنَّ هنالك معاییر تخصّ الطیور الغیر مفترسة و هي التي إن تواجدت فیها هذه المعاییر فیجوز أكل لحمها و هنالك الروایات الخاصّة التي تعود إلی بعض الطیور و من یحبّ الإطِّلاع علی المزید منها یُرجی مراجعة الكتب الإختصاصیّة لها.
و أمّا ما یخصّ الحیوانات البحریّة فالأسماك التي علی جلودها الفلس و بعض الطیور البحریّة یكون لحمها حلال مثل الجراد البحري الذي هو حلالٌ أكله. و علاوة علی الفلس في جلد السمك یجب أن یموت في خارج الماء ، إذ لو مات السمك في داخل الماء ،لأصبح أكله حرامٌ حتّی و لو كان من الأسماك التي أكلُها حلال و لكنّ السمك بصورة عامّة نظیف لحاله.
أسئلةً و أجوبة : إنـَّنا نری ضرورة أهمّیّة المسائل التي تخصّ الذبح الإسلاميّ و النقاش حول بعض المسائل التي كثیرًا ما نُقابلها بصورة أسئلة و أجوبة و یجب أن نُعلمكم بأنَّ الأجوبة هي وفقَا لفتاوي مراجع التقلید العظام :
1. هل إنَّ الإستفادة من الشوكة الكهربائیّة مجاز ؟
الجواب : كما بینّا ذلك مسبقًا إذا لم یتوقف قلب الحیوان عن النبض حین تُضرب الشوكة الكهربائیّة و یتمّ قطع شرایینه بلا فاصلة و تجري منها الدماء فلا إشكال في ذلك و أكل هذه اللحوم حلال.
2. إذا أصیبت جبهة الحیوانبضربة قویّة بواسطة قطعة من الحدید و أُغمي علی الحیوان و لكنّ القلب ما زال ینبض و رأس الحیوان سالمٌ ، هل یجوز الإستفادة من لحم هذا الحیوان من بعد قصّ الرقبة و جریان الدم؟
الجواب : نعم إنّ اللحم حلال .
3. هل یجوز ضرب الحیوان بالطلقة للإغماء ؟ و بذلك یتمّ إستهداف الجبین وإصابة الحیوان بالطلقة بین القرنین أو بین العینین وعندئذٍ یسقط الحیوان من بعد تشنّج العضلات علی الأرض .
الجواب : إذا كان قلب الحیوان مستمرٌّ في النبضو بدأ الدم أن یجري بوضوح من بعد قطع الشرایین فلا مانع لذلك.
4. هل یجوز تخدیر الحیوان بوسیلة غاز الكاربون لإغمائه ؟
الجواب : أنَّ هذه الطریقة هي كما كان في السؤال الثالث ، فیجب أن یكون قلب الحیوان مستمرٌّ في النبضو أن یبدأ الدم بالجريان بوضوح من بعد قطع الشرایین ، فأن حصل كلّ ذلك فلا مانع لإستعمال هذه الطریقة.
5. هل یجوز خنق الحیوان قبل الذبح ؟
الجواب : لا ! إذ أنَّ قلب الحیوان یتوقف عن النبض و یكون من صنف الحیوانات « المُنخَنَقة » و لذلك فإنَّ أكل هذه الحیوانات حرام.
6. هل إنَّ الذبح بواسطة المكائن و بمجرّد الضغط علی زرّ التشغیل مع مراعاة باقي شروط یكون ذبح جائز ؟
الجواب : نعم یجوز بشرط أن یتمّ ذكر إسمه تعالی لكلّ ذبیحة و یتمّ قصّ الشرایین الأربعة .
7. ما هي الأقسام المحرّمة من جسم الحیوانات التي لحمها حلال ؟
الجواب : إنَّ المحرّمات من الحیوانات التي لحمها حلال هي : الدم ، الفضلات (الإدرار و المدفوع) ، الرحم ، غُدد الدشول ، الخصیتین ، الغدد التي هي كالحمّص في دماغ الحیوان ، المغزی المحرّمة التي هي في ظهر الحیوان ، الشحوم التي في طرفي منشأ العمود الفقري ، قضیب التناسل من الذكور و الفرج من الأناث و الطحال و المثانة و حدقة العین و ما هو في داخل عین الحیوان أي الأشاجع.
8. كیف تتم تزكیة الجمال و یصبح لحمها حلال ؟
الجواب : إنَّ تزكیة الجَمَل تتمّ بنحره بواسطة سكین حادّة أو سیلة أخری حدیدیّة و ترك الدم للخروج من الشرایین ، أذ لو ذُبح الجمل كباقي الحیوانات لأصبح لحمه حرامًا و لكن لا إشكال في قطع الرأس من بعد إنتهاء النحر و أمّا البقر والخرفان فیتمّ تزكیتها بمجرّد قطع الشرایین الأربعة و إنَّ تزكیة أيٍّ من الحیوانات یتمّ بطریقة أخری للتزكیة و هي بقطع الشرایین الأربعة.
إنَّ الأحكام التي تخصّ الحلال والحرام من الأطعمة كثیرة جدًّا و لكنّنا سعینا أن نذكر في هذه المقالة أهمّ الأسس التي تخصّ الطریقة الشرعیّة لذبح الحیوانات التي أكل لحمها حلال . و الراغبین في المزید من المعلومات یمكنهم مراجعة الكتب الإختصاصیّة في هذه الحقول.
[1] سورة البقره الآیة 172 ، 173
[3]ملاصدرا تفسیر القرآن الكریم ج 3 ص 277 ، مجمع البیان ج 1 ص 72
[4] سورة البقره الآیة 168
[5] مجمع البیان ج1 ص 252
[6] s,سورة البقرة / 172 ، 173
[7] وسائل الشیعة ج 16 ص 390 و ج1 ص 17
[8] وسائل الشیعة ج 2
[9] وسائل الشیعة ج 18 / 27 / ح 6
[10] مراجعه شود به رساله علمیه مراجع بخش خوردنیها و آشامیدنیها ؛ شرائط سر بریدن حیوان
[11] المقنع 417
[12] المقنعه ص 579 ، 581
[13] مختلف الشیعه 679 ، النهایه ج 3 / 91
[14] رسالة توضیح المسائل 10 مرجع ج 2 ص 482
|